يتجاوز دير مار انطونيوس في النبطية الفوقا الذي تأسس سنة 1907 قيمته الدينية للخدمة الرعائية كمزار لابناء رعية مار انطونيوس التي نشأت حوله، فقد تحوّل حقاً إلى موئل للعيش المشترك في منطقة النبطية.
يتقابل هذا الدير المؤلف من طابقين مع الجوامع المواجهة له في النبطية، والنبطية الفوقا وكفرتبنيت، مشكلاً قيمة دينية ومزارا لابناء الطائفة المارونية في منطقة النبطية وجوارها، وقيمة تاريخية وتراثية من خلال حجارته القديمة التي بني بها عند اشادته لكل أبناء المنطقة. ويحافظ الدير على الرونق العمراني القديم للعمارة اللبنانية رغم تعرضه للقصف الإسرائيلي خلال فترة إحتلال الجنوب.
نموذج "الشركة والمحبة"
أشادت الرهبانية اللبنانية المارونية دير مار أنطونيوس أب الرهبان منذ حوالي الـ105 سنوات. في هذه المنطقة بالذات "شهادة محبة وتعاون ورمز للعيش المشترك في الألفة والإحترام والتآخي"، بحسب ما يؤكد لـ"النشرة" رئيس الدير الأب باسيل باسيل الذي يعتبر أن "الشركة والمحبة تجمعنا مع كل الناس وروابط التآخي والمحبة والإحترام المتبادل تشدّنا إلى إخواننا المسلمين الشيعة في النبطية الفوقا وفي مدينة النبطية وفي المدن والقرى المجاورة".
ويشدد على أن هذا الدير "كان وسيبقى نموذجا للعيش الواحد والاخوة الصادقة في هذه البقعة الجنوبية المناضلة، وهو رمز للشهادة، ففيه نشهد بين اخوتنا المسلمين الشيعة على القواسم والقيم المشتركة التي تجمع بيننا وهي كثيرة وكثيرة جدا من محبة متبادلة وحوار وعمل مشترك وتقاسم لقمة العيش معا والمصير الجنوبي الواحد".
موقع ديني ووطني
لطالما تعرض دير مار انطونيوس في النبطية الفوقا للقصف الاسرائيلي اثناء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وكان شاهدا على انسحاب القوات الاسرائيلية من تلال علي الطاهر في ايار من العام 2000 المشرفة عليه والتي كانت تصل بنيران حقدها اليه لاستهدافه وشل الحركة فيه لانه موقع ديني ووطني في المنطقة. وقد لعب الدير دورا بناء في احلك الظروف واصعبها من حيث جمع ابناء المنطقة تحت قبّته ليتحاوروا ويؤكدوا على التواصل في وجه الفتنة ورياحها، أما اليوم فبات مركزاً للتلاقي والتعايش وقد احتفل بيوبيله الذهبي ويستعد ليحافظ على دوره المتنوع بعدما تعاقب على رئاسته 25 رئيسا اخرهم الرئيس الحالي للدير الاب باسيل باسيل.
وسجل الدير في تاريخه محطات وطنية مشرقة اخرها مضيئة في تاريخ العلاقات الاسلامية-المسيحية بعدما زاره وباركه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 25 ايلول 2011 في اطار زيارته الرعوية للجنوب حيث التقت خلال الزيارة على ارض الدير مختلف اطياف المجتمع وافتتح الجميع قاعة في الدير تحمل اسم الكاردينال الراعي "عربون محبة وتقدير لدوره الوطني" بحسب الأب باسيل.
أملاك الدير لتنمية المنطقة
وشرح الأب باسيل أنه "في العام 1965 بنى الدير مدرستين وسلّمهما للدولة، كما قدم قطعة ارض للجيش اللبناني بنى عليها ثكنة له، وقطعة ارض أخرى بنيت عليها مدرسة رسمية بالتعاون مع المجلس البلدي في النبطية الفوقا. وسنة 1944 بنيت الكنيسة في الدير مع الطابق الثاني، وقد تم ترميمه وتجديده من الداخل والخارج من العام 1995 حتى العام 2010"، موضحاً أن "ديرنا ساهم ويساهم في التنمية البشرية والاقتصادية في هذه البلدة وفي الجوار: فهناك اكثر من 250 عائلة تعتاش وتؤمن تعليم اولادها من عملها واستثماراتها في اراضي الدير، وهو يساهم أيضاً في بقاء الاراضي واستثمارها وعدم بيعها الى اي غريب". وشدد في هذا الإطار على أن "املاك هذا الدير هي لتنمية وخدمة ابناء هذه المنطقة، وحلمنا هو ان تفتح جامعة الروح القدس في الكسليك فرعا جامعيا لها في ارضنا وفي ربوعنا فيتكامل دورها الأكاديمي مع المدارس الرسمية والخاصة في هذه المنطقة".
هذا الموضوع هو الجزء الثالث من سلسلة السياحة الدينية التي تعرضها "النشرة" تحت شعار "لبنان أكثر من ترفيه.. إنه بلد السياحة الدينية أيضا":
الجزء الأول -المسجد المنصوري الكبير في طرابلس: موقع ديني وأهمية تاريخية
الجزء الثاني -مقام النبي جليل في "الشرقية" الجنوبية مزار ديني وقيمة تراثية وأثرية